عيد الصعود المجيد
تحتفل الكنيسة القبطية بعيد الصعود بعد اربعين يوما من عيد القيامة المجيد، ويقع هذا العيد دائما يوم خميس، وهو أحد الاعياد السيدية السبعة الكبرى (البشارة، الميلاد، الغطاس، الشعانين، القيامة، الصعود، العنصرة).
والكنيسة اخذتنا في رحلة روحية امتدت الى 105 يوم، بدأت من الصوم الكبير (55 يوما) حتى نهاية الخمسين (50 يوما). وفيها مررنا بفترة توبة وجهاد روحي وطلب مراحم الله خلال ثمانية اسابيع هي فترة الصوم الكبير بآحاده السبع (الكنوز – التجربة – الابن الضال – السامرية – المخلع – المولود اعمى – الشعانين).
ومنالطبيعيانمنيجاهدويقدمتوبةحقيقيةخلالفترةالصوم،انيحصل على مكافأة، فعلى قدر الجهاد يكون الفرح والسرور، لذلك ننتقل الى فترة الفرح باتمام الفداء وقيامة الرب يسوع من بين الامدوات، لفترة ثمانية اسابيع ايضا تتخللها سبعة آحاد هي: (تثبيت الايمان – خبز الحياة – ماء الحياة – نور العالم – الطريق والحق والحياة – الانتصار على العالم – وحدانية الثالوث)
وعيدالصعودهوالمرحلةالاخيرةمنالمراحلالخمسةلحياةالسيدالمسيحعلىالارضوهي: الميلاد – العماد – الموت – القيامة – الصعود.
وفي الحديث عن صعود السيد المسيح له المجد، نجيب على ثلاث اسئلة هي: متى؟كيف؟اين؟ولماذاصعدالمسيحالىالسماء؟
أولا – متى صعد المسيح؟
يقول البعض إن السيد المسيح صعد بعد قيامته ولقائه مع مريم المجدلية في البستان، وأنه عاد الى الارض ليظهرلتلاميذه، واستمر طوال 40 يوما بعد القيامة يتردد بين السماء والأرض، إلى أن صعد بصفة نهائية في اليوم الأربعين أي في خميس الصعود.
لكن هذا القول يتعارض مع تعاليم الكتاب المقدس وتقليد الكنيسة التي تحتفل بعيد الصعود بعد مرور اربعين يوما من القيامة، فلو كان السيد المسيح صعد بعد القيامة مباشرة لما كان هناك لزوم للاحتفال بعيد الصعود. فالصحيح هو ان السيد المسيح لم يصعد بعد قيامته مباشرة بل مكث على الارض اربعين يوما وهو يظهر لتلاميذه. وهذه معجزة في حد ذاتها من معجزاته التي صنعها بعد الموت والقيامة.
كان السيد المسيح يظهر للتلاميذ في أماكن مختلفة، وبأعدادٍ كبيرة، وفى أوقاتٍ متعددة، خلال الأربعين يوما التي تبعت القيامة. وكان يظهر لهم بجسد القيامة النوراني الممجد، ويدخل إلىهم في العلية والأبواب مُغلقة تماماً كما يدخل شعاع النور من الزجاج دون أن يكسره.
ولابد ان بعض التلاميذ وعلى رأسهم توما شكوا في بداية ظهوره لهم، وظنوا انه خيال او رؤية، ناسين انه سبق ان قال لهم انه بعد ثلاثة ايام سيقوم، لذلك سمح لهم ان يروه في صورة الجسد الحسي الذي كان عليه قبل القيامة ليمكنهم من ان يروه ويلمسوه ويأكل ويشرب معهم، علما بان الجسد الممجد لا يأكل ولا يشرب، ولا يجوع ولا يعطش، لكنه فعل ذلك بمعجزة وبسلطان لاهوته ليؤكد لهم ولغيرهم ان جسد القيامة هو بعينه الجسد الأصلي بعد أن مات وقام تغير الى هذا الشكل المجيد النوراني والروحاني.
ثانياً – كيف صعد المسيح؟
ذكر معلمنا لوقا البشير ان السيد المسيح “أخرجهم خارجا إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم، وفيما هو يباركهم، انفرد عنهم وأصعد إلى السماء، فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم” (لو 24: 50-53). كذلك قال معلمنا مرقس البشير: “ثم إن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء، وجلس عن يمين الله” (مر 16: 19). وقدم سفر الاعمال تفصيلا اكثر بالقول: “ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم، وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق… الخ (اع 1: 9-11).
مما سبق يتضح كيفية صعود رب المجد يسوع المسيح على النحو التالي:
1 – صعد في مجد وبجسد ممجد:
عندما تجسد المسيح ولد في مزود بقر، ومن فتاة فقيرة، اي انه جاء في اتضاع وقيل عنه انه “اخلى ذاته آخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس“، لكنه صعد في مجد مظهرا لاهوته، ولم يكن يتحدى قوانين الجاذبية بل صعد بجسد ممجد روحانى لا علاقة له بالجاذبية الأرضية لأن الجاذبية تتعامل مع المادة.. والجسد الذى صعد به السيد المسيح لم يكن جسداً مادياً.
وكما اختار السيد المسيح الوقت المناسب لصعوده، اختار أيضاً الطريقة المناسبة للصعود حيث صعد في مجد عظيم مظهرا قوة لاهوته. وفى ظهوراته بعد الصعود كان يظهر فى مجد وبهاء، مثلما ظهر لكل من شاول الطرسوسي في طريق دمشق، وليوحنا الرسول فى جزيرة بطمس.
2- صعد على السحاب:
يقول الكتاب المقدس انه “ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم“. فقد صعد امام التلاميذ علانية وهكذا سيأتي على السحاب علانية. وصعوده على السحاب يؤكد كلام الانبياء عنه “ركب الرب على الشاروبيم وطار على اجنحة الرياح” (مز141: 9). وايضا “الذي جعل مسالكه على السحاب الماشي على اجنحة الرياح” (مز 18: 10).
ثالثاً – الى أين صعد المسيح؟
صعد السيد المسيح الى سماء السماوات. حيث هناك اربع سماوات هي: سماء الطيور – سماء الفلك – سماء الفردوس – سماء السماوات. ولم يذكر الكتاب المقدس ان هناك سبع سماوات كما يدعي غير المسيحيين.
وصعود السيد المسيح كان صعودا مميزا، فهناك اخرون صعدوا قبل وبعد السيد المسيح لكن لم يكن صعودهم كصعود المسيح. فمن هم هؤلاء الاخرون الذين صعدوا الى السماء؟
1- هناك من صعدوا بالروح والجسد معا وهم ايليا واخنوخ
2- هناك من صعدوا بالروح بدون الجسد وهم بولس الرسول ويوحنا الرائي
3- هناك من صعدوا بالروح ثم لحقهم الجسد فيما بعد، وهي العذراء مريم وحدها.
اما لماذا كان صعود المسيح مميزا ذلك لان هناك فرق بين صعود المسيح وصعود هؤلاء الاخرين كالتالي:
1- صعد المسيح بقوته الالهية، اما الاخرون فصعدوا بقوه الله. ايليا حملته مركبة نارية، واخنوخ اخذه الله. 2- صعد المسيح الى السماء لانه نزل من السماء، اما الاخرون صعدوا الى مكان لم ينزلوا منه من قبل.
3- صعد المسيح حيا الى السماء وسيبقى حيا، اما الاخرون (ايليا واخنوخ) فصعدوا احياء لكنهم سينزلون الى الارض ويموتون في شوارع اورشليم (رؤ 11: 3-5).
رابعاً – لماذا صعد المسيح؟
صعد المسيح بعد 40 يوما من القيامة، على سحابة، الى سماء السموات، اما لماذا صعد السيد المسيح؟ فالاجابة على هذا السؤال تتلخص في الاتي:
1- صعد الى السماء لأنه نزل من السماء:
نقول في قانون الايمان: “نزل من السماء وتجسد من الروح القدس… ” ثم نكمل: “وصعد الى السماء وجلس عن يمين الاب… الخ“. وقال السيد المسيح لنيقوديموس “ليس احد صعد الى السماء الا الذي نزل من السماء ابن الله الذي هو في السماء” (يو 3: 13). + وقال لتلاميذه “خرجت من عند الاب وقد اتيت الى العالم” (يو 16: 28). وقال ايضا “نزلت من السماء لا لاعمل ارادتي بل ارادة الذي ارسلني“. وقال لبيلاطس “مملكتي ليست من هذا العالم” وقال لليهود “انتم من اسفل اما انا فمن فوق” ، وقال “مملكتي ليست من هذا العالم“.
نزل السيد المسيح من حضن الاب بسبب خطايا البشر، فكان لابد ان يرجع الى حضن الاب وهو يحمل خطايا البشر، “الاب لم يره احد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الاب هو خبر“.
2- صعد تحقيقا للنبوات ولقوله عن نفسه:
قالت النبوات عنه “صعدت الى العلا، سبيت سبيا، قبلت عطايا بين الناس وايضا المتمردين للسكن ايها الرب الاله” (مز 68: 18). وايضا “صعد الله بهتاف، الرب بصوت الصور” (مز 47: 5)، وقال زكريا النبي عنه “وتقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون” (زكريا 14: 4)، وفي الامثال قال سليمان الحكيم “من صعد الى السموات ونزل، من جمع الريح في حفنتيه، من صر المياه في ثوب، من ثبت جميع اطراف الارض، ما اسمه وما اسم ابنه ان عرفت” (امثال 30:4).
أما السيد المسيح فقال عن نفسه: “لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون اني امضي الى الاب” (يو 14:28). وقال ايضا “اترك العالم واذهب الى الاب” (يو 16: 28)، وقال “فان رأيتم ابن الانسان صاعدا الى حيث كان اولا” (يو 6: 62).
3- صعد ليرسل لنا الروح المعزي:
عندما صعد السيد المسيح الى السماء لم يترك الارض خالية من اللاهوت بل ارسل الاقنوم الثالث وهو الروح القدس الذي مازال حتى الان موجودا معنا على الارض ويعمل فينا. فمجيء الاقنوم الثاني الى الارض ليتمم عمل الفداء ويكمل الرسالة التي جاء من اجلها ثم صعد وارسل الاقنوم الثالث المعزي الروح القدس. ويتضح ذلك من قوله لتلاميذه “خير لكم ان انطلق لانه ان لم انطلق لا يأتيكم المعزي (الروح القدس) ولكن ان ذهبت ارسله اليكم” (يو 16: 7).
وختاما نقول ان السيد المسيح عندما اخذ تلاميذه الى جبل الزيتون كان ذلك ليذكرنا بأول طريق الالام الذي سلكه حتى الموت موت الصليب. ومن نفس المكان اي جبل الزيتون صعد الى السماء، والدرس الذي نستفيده هو انه لا يمكن ان ندخل او نعبر الى السماء الا من خلال جبل التجارب والضيقات ”لأنه بضيقات كثيرة ينبغى أن ندخل ملكوت الله“ (اع22:14 ).
الشماس إقلاديوس إبراهيم